فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (55):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} [55].
{لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ} أي: لا حرج ولا إثم عليهن، في أن لا يحتجبن من هؤلاء المسمين. قال الطبري: وعُني بإخوانهن وأبناء إخوانهن، إخوتهن، وأبناء إخوتهن، وخرج معهم جمع ذلك، مخرج جمع فتى إذا جمع: فتيان، فكذلك جمع أخ إذا جمع: إخوان، وأما إذا جمع إخوة فذلك نظير جمع فتى إذا جمع فتية.
تنبيهات:
الأول- قيل: إنما لم يذكر العم والخال، لأنهما بمنزلة الوالدين، ولذلك سمي العم أيضاً أباً في قوله تعالى: {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133]، أو لأنه اكتفى عن ذكرهما بذكر أبناء الإخوة، وأبناء الأخوات، فإن مناط عدم لزوم الاحتجاب بينهن وبين الفريقين، عين ما بينهن وبين العم والخال من العمومة والخؤولة؛ لما أنهن عمات لأبناء الإخوة، وخالات لأبناء الأخوات. وقيل: لأنه كره ترك الاحتجاب منهما، مخافة أن يَصِفَاهُن لأبنائهما.
وهو رأي عِكْرِمَة والشعبي، كما أخرجه الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عِكْرِمَة والشعبي أنه قال لهما: ما شأن العم والخال لم يذكرا؟ قالا: لأنهما ينعتانها لأبنائهما. وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها.
قال الشهاب: لكنه قيل عليه، إن هذه العلة، وهو احتمال أن يصفا لأبنائهما وهما يجوز لهما التزوج بها، جار في النساء كلهن، ممن لم يكن أمهات محارم. فينبغي التعويل على الأول. انتهى.
والتحقيق في رده ما رواه البخاري في التفسير من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن علي أفلح أخو أبي القعيس، بعد ما أنزل الحجاب، فقلت: لا آذن له حتى أستأذن فيه النبي صلّى الله عليه وسلم. فإن أخاه أبا القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس. فدخل علي النبي صلّى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله! إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن. فأبيت أن آذن حتى أستأذنك، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «وما منعك أن تأذني؟ عمك».
قلت: يا رسول الله! إن الرجل ليس هو أرضعني، لكن أضعتني امرأة أبي القعيس، فقال: «ائذني له فإنه عمك، تربت يمينك».
قال عروة: فلذلك كانت عائشة تقول: حرموا من الرضاعة ما تحرمون من النسب. انتهى. فبقوله صلّى الله عليه وسلم: «ائذني له فإنه عمك» مع قوله في الحديث الآخر «العم صنو الأب» يرد على عِكْرِمَة والشعبي.
الثاني- قيل: أريد بقوله تعالى: {وَلاَ نِسَائِهِنَّ} المسلمات، حتى لا يجوز للكتابيات الدخول على أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وقيل هو عام في المسلمات والكتابيات. وإنما قال: {وَلاَ نِسَائِهِنَّ} لأنهن من أجناسهن.
الثالث- استدل بعموم قوله تعالى: {وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من ذهب إلى أن عبد المرأة محرم لها. وذهب قوم إلى أنه كالأجانب. والآية مخصوصة بالإماء دون العبيد، وتقدم تفصيل ذلك في سورة النور.
الرابع- قال السيوطي في الإكليل: استدل الحسن والحسين بعدم ذكر أبناء العمومة فيها، على تحريم نظرهما إليهن، فكانا لا يدخلان عليهن: {وَاتَّقِينَ اللَّهَ} أي: أن تتعدين ما حدّ لكُنّ، فتبدين من زينتكن ما ليس لكن، أو تتركن الحجاب فيراكن أحد غير هؤلاء. وقال الرازي: أي: واتقينه عند المماليك. قال: ففيه دليل على أن التكشف لهم مشروط بشرط السلامة والعلم بعدم المحذور. وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} أي: فهو شاهد على ما تفعلنه من احتجابكن وترككن الحجاب لمن أبيح لكن تركه، وغير ذلك من أموركن، فاحذرن أن تلقينه، وهو شاهد عليكن بمعصيته، وخلاف أمره، ونهيه، فتهلكن. قال الرازي: هذا التذليل في غاية الحسن في هذا الموضع، لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم، فقال: إن الله شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض، فخلوتكم مثل ملتكم بشهادة الله تعالى فاتقوا. انتهى.

.تفسير الآية رقم (56):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [56].
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} قال الرازي: لما أمر الله المؤمنين بالاستئذان، وعدم النظر إلى وجوه نسائه احتراماً، كمّل بيان حرمته، وذلك لأن حالته منحصرة في اثنتين: حالة خلوته وذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53]، وحالة يكون في ملأ. والملأ إما الملأ الأعلى، وإما الملأ الأدنى، أما في الملأ الأعلى فهو محترم، فإن الله وملائكته يصلون عليه. وأما في الملأ الأدنى فذلك واجب الاحترام بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}. انتهى.
وقد روى البخاري عن أبي العالية قال: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة. وصلاة الملائكة الدعاء. وقال ابن عباس: يصلون يبرّكون، أي: يدعون له بالبركة. فيوافق قول أبي العالية، لكنه أخص منه. وبالجملة، فالصلاة تكون بمعنى التمجيد والدعاء والرحمة، على حسب ما أضيفت إليه في التنزيل أو الأثر، وقد أطنب الإمام ابن القيم في جلاء الأفهام في مبحث معنى الصلاة، وأطال فأطاب. فلينظر.
وفي البخاري عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، أنه قيل: يا رسول الله! أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا: اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم! بارك على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه، عن أبي مسعود البدري، أنهم قالوا: يا رسول الله! أما السلام فقد عرفناه. فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ فقال: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد». وذكره. ورواه الشافعي في مسنده عن أبي هريرة بمثله.
ومن هاهنا ذهب الشافعي رحمه الله، إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلّى الله عليه وسلم في التشهد الأخير. فإن تركه لم تصح صلاته، ووافقه الإمام أحمد في رواية. وقال به إسحاق بن راهويه، والإمام ابن المواز المالكي وغيرهم، كما بسطه ابن القيم في جلاء الأفهام وابن كثير في التفسير وقد تقصّيا، عليهما الرحمة، أيضاً الروايات في الأمر بالصلاة وكيفيتها، فأوسعا. فليرجع إليهما.
تنبيهات:
الأول- تدل الآية على وجوب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم مطلقاً؛ لأن الأصل في الأمر للوجوب. فذهب قوم إلى وجوبها في المجلس مرة، ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس. وآخرون إلى وجوبها في العمر مرة واحدة، ثم هي مستحبة في كل حال. وآخرون إلى وجوبها كلما ذكر. وبعضهم إلى أن محل الآية على الندب. قال ابن كثير: وهذا قول غريب، فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة، فمنها واجب، ومنها مستحب على ما نبينه:
فمنه بعد النداء للصلاة، لحديث «إذا سمعتم مؤذناً فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ» الحديث.
ومنه عند دخول المسجد؛ لحديث كان صلّى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، ثم قال: «اللهم! اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك». وإذا خرج صلى على محمد وسلم. ثم قال: «اللهم! اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك».
ومنه الصلاة، فتستحب على قول الشافعي في التشهد الأول منها، وتجب في الثاني.
ومنه في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية، لقول أبي أمامة: من السنة ذلك. وهذا من الصحابي في حكم المرفوع، على الصحيح.
ومنه ختم الدعاء، فيستحب الصلاة فيه على النبي صلّى الله عليه وسلم، ومن آكد ذلك دعاء القنوت.
ومنه يوم الجمعة، وليلتها، فيستحب الإكثار منها فيهما، ومنه في خطبة يوم الجمعة، يجب على الخطيب في الخطبتين الإتيان بها. وهو مذهب الشافعي وأحمد.
ومنه عند زيارة قبره صلّى الله عليه وسلم لحديث «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» تفرد به أبو داود، وصححه النووي في الأذكار. وعن الحسن بن الحسن بن علي أنه رأى قوماً عند القبر فنهاهم وقال: إن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي حيثما كنتم. فإن صلاتكم تبلغني».
قال ابن كثير: فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم فوق الحاجة، فنهاهم. وقد روي أنه رأى رجلاً ينتاب القبر. فقال: يا هذا! ما أنت ورجل بالأندلس، ومنه إلا سواء، أي: الجميع يبلغه صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين، وقد استحب أهل الكتاب أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم كلما كتبه. وقد روي في حديث «من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له، ما دام اسمي في ذلك الكتاب».
قال الحافظ ابن كثير: وليس هذا الحديث بصحيح. بل عده الحافظ الذهبي موضوعاً. وقد ذكر الخطيب البغدادي أنه رأى بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، كثيراً اسم النبي صلّى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة. قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظاً.
الثاني- الصلاة على غير الأنبياء، إن كانت على سبيل التبعية، كنحو: اللهم صل على محمد وآله وأزواجه، فهذا جائز إجماعاً، وأما استقلالاً فجوزه قوم الآية: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43]، وآية: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 157]، وآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]، ولحديث كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم! صل عليهم». فأتاه أبو أوفى بصدقته فقال: «اللهم! صل على آل أبي أوفى».
وكرهه قوم، لكون صيغة الصلاة صارت شعاراً للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم. فلا يقال: قال عمر صلى الله عليه، كما لا يقال: قال محمد عز وجل، وإن كان عزيزاً جليلاً؛ لكون هذا من شعار ذكر الله عز وجل، وحملوا ما ورد من ذلك في الكتاب والسنة على الدعاء لهم.
وقال ابن حجر: إن ذلك وقع من الشارع، ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما شاء وليس لغيره أن يتصرف إلا بإذنه، ولم يثبت عنه إذن في ذلك. انتهى.
وقد يقال: كفى في المروي المأثور المتقدم إذناً. والاستدلال بأن ذلك من حقه فيه مصادرة على المطلوب. على أن المرجح أن الأصل الإباحة حتى يرد الحظر، ولا حظر هنا. فتدبر.
وأما السلام، فقال الجويني: هو في معنى الصلاة، فلا يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: علي عليه السلام. وساء في هذا الأحياء والأموات. وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام عليك، وسلام عليكم، أو السلام عليك أو عليكم، وقد غلب- كما قال ابن كثير- على كثير من النساخ للكتب، أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال: عليه السلام. من دون سائر الصحابة. قال: والتسوية بينهم في ذلك أولى. انتهى.
والخطب سهل. ومن رأى المروي في هذا الباب، علم أن الأمر أوسع من أن يحرج فيه، على أن هذه المسألة من فروع تخصيص العرف، وفيه بحث في الأصول.
الثالث- قال النووي: إذا صلى على النبي صلّى الله عليه وسلم، فليجمع بين الصلاة والتسليم. فلا يقتصر على أحدهما، فلا يقول: صلى الله عليه. فقط. ولا: عليه السلام. فقط.
قال ابن كثير: وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فالأولى أن يقال صلّى الله عليه وسلم تسليماً.
انتهى.
الرابع- قال الرازي: إذا صلى الله وملائكته عليه، فأي حاجة إلى صلاتنا؟ نقول: الصلاة عليه ليس لحاجته إليها، وإلا فلا حاجة إلى الصلاة الملائكة مع صلاة الله عليه، وإنما هو لإظهار تعظيمه، كما أن الله تعالى أوجب علينا ذكر نفسه، ولا حاجة له إليه، وإنما هو لإظهار تعظيمه منا، رحمة بنا، ليثيبنا عليه، ولهذا جاء في الحديث «من صلى علي مرة، صلى الله عليه بها عشراً». انتهى. وكان سبق لي، من أيام معدودات أن كتبت في مقدمة مجموعة الخطب في سر الصلاة عليه، ما مثله: ويسن يوم الجمعة إكثار الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم؛ ليذكر الرحمة ببعثته، والفضل بهدايته، والمنة باقتفاء هديه، وسنته، والصلاح الأعظم برسالته، والجهاد للحق بسيرته، ومكارم الأخلاق بحكمته، وسعادة الدارين بدعوته، صلّى الله عليه وسلم، وعلى آله، ما ذاق عارفٌ سرَّ شريعته، وأشرق ضياء الحق على بصيرته، فسعد في دنياه وآخرته.
الخامس- قال الرازي: ذكر: {تَسْلِيْماً} للتأكيد ليكمل السلام عليه، ولم يؤكد الصلاة بهذا التأكيد؛ لأنها كانت مؤكدة بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} انتهى.
وقيل: إنه من الاحتباك. فحذف: عليه، من أحدهما. والمصدر، من الآخر.
قال القاضي: قيل معنى: {وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} أي: انقادوا لأوامره. فالسلام من التسليم والانقياد.
السادس- قال الحافظ ابن حجر في الفتح: سئلت عن إضافة الصلاة إلى الله دون السلام، وأمر المؤمنين بها وبالسلام، فقلت: يحتمل أن يكون السلام له معنيان: التحية والانقياد. فأمر به المؤمنون لصحتهما منهم. والله وملائكته لا يجوز منهم الانقياد، فلم يضف إليهم، دفعاً للإيهام. والعلم عند الله. انتهى.
وقال الشهاب: قد لاح لي في تخصيص السلام بالمؤمنين دون الله وملائكته، نكتة سرية، وهي أن السلام تسليمه عما يؤذيه. فلما جاءت هذه الآية عقيب ذكر ما يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، والأذية إنما هي من البشر، وقد صدرت منهم، فناسب التخصيص بهم والتأكيد. انتهى. ولما أمر تعالى بالصلاة على نبيه صلّى الله عليه وسلم التي هي الثناء عليه وتمجيده وتعظيمه، بين وعيد من لا يرعاها، بأن يجرؤ على ضدها بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (57):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} [57].
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} أي: ينالون فيه الهوان والخزي. والمقصود من الآية الرسول صلّى الله عليه وسلم، وذكر الله تعالى إنما هو لتعظيمه، ببيان قربه، وكونه حبيبه، حتى كأنّ ما يؤذيه يؤذيه، كما أن من يطيعه يطيع الله. وقد روى الطبري عن ابن عباس أنها نزلت في الذين طعنوا على النبي صلّى الله عليه وسلم، حين اتخذ صفية بنت حُيي. وهذا في الحقيقة من أفراد ما تشمله الآية. بل لو قيل أنها عني بها من خاض في مسألة زينب، لكان أقرب، لتقارب الآيات في الباب الواحد، وتناسقها كسلسلة واحدة، في تلك المسألة التي كانت المقصود الأعظم من السورة بتمامها، كما لا يخفى على من تدبرها.
وبالجملة، فاللفظ عام في كل ما يصاب به صلّى الله عليه وسلم من أنواع المكروه، فيدخل المقصود من التنزيل دخولاً أوليًّا. وعلى هذا، فالأذية على حقيقتها. وقيل المراد بأذية الله ورسوله، ارتكاب ما لا يرضيانه، مجازاً مرسلاً؛ لأنه سبب، أو لازم له، وإن كان بالنسبة إلى غيره، فإنه كان في العلاقة، وذكر الله ورسوله على ظاهره. ومن جوز إطلاق اللفظ الواحد على معنيين، كاستعمال اللفظ المشترك في معنييه، أو في حقيقته ومجازه، فسر الأذية بالمعنيين باعتبار المعمولين، فتكون بالنسبة إليه تعالى، ارتكاب ما يكره مجازاً، وإلى الرسول على ظاهره. فإن تعدد المعمول بمنزلة تكرر لفظ العامل، فيجيء فيه الجمع بين المعنيين.